تكشف نسبة الهدر المرتفعة في كل المراحل الدراسية عن ضعف في الفعالية الداخلية لنظام التربية والتكوين، إذ تنقطع أعداد هائلة من التلاميذ عن الدراسة دون أي تأهيل، أي بدون استعداد حقيقي للاندماج في عالم الشغل.
إذا كان نظام التربية والتكوين المغربي لا يستقطب على مستوى القطاع العام سوى 77,3 % من الأطفال في سن التمدرس، فإنه لا يبرهن سوى على قدرة محدودة للاحتفاظ بهم لمدة طويلة للتمكن من القضاء على الأمية، وكذلك لتمكينهم من تكوين يؤهلهم مهنيا.
بالإضافة إلى تقديم فكرة عن عدد المستفيدين الذين يغادرون النظام ويتركون بذلك تأهيلهم، وتحديد المستويات حيث يتم تسجيل نسب هدر مرتفعة، يسمح تحليل عدد الخريجين من الوقوف على مردودية نظام التربية والتكوين بواسطة دراسة المسار الدراسي والمهني لمختلف الأصناف المستفيدين.
حسب إحصائيات سنة 1997، بلغ مجموع عدد المنقطعين عن الدراسة 667.768. يقصد ب "الخريجين"، الأشخاص الذين يغادرون نهائيا نظام التعليم بمؤهل أو بدونه، وكذلك الأشخاص الذين يصلون إلى نهاية مرحلة تتوج بالحصول على دبلوم. ويمكن التمييز بالخصوص بين الأصناف التالية:
الخريجون دون دبلوم أو تأهيل يتوج عادة المستوى الذي يكونون مسجلين فيه. ونجد ضمنهم الخريجين من التعليم العام غير الحاصلين على شهادة البكالوريا- الذين سيلتحق جزء منهم بالتكوين المهني- والخريجين من التعليم العالي والتكوين المهني غير الحاصلين على دبلوم؛
الخريجون الحاصلون على دبلوم مؤهل من التعليم العالي والتكوين المهني؛
الحاصلون على البكالوريا الذين سيلتحق جزء مهم منهم بالتعليم العالي أو التكوين المهني.
يقدم الرسم البياني التالي أعداد الخريجين برسم السنة المدرسية 1996-1997 حسب المراحل الدراسية الكبرى على مستوى المدرسة العمومية. في المجموع، من بين 667.768 خريج، 501.160 أي ثلاثة أرباع، تغادر النظام بدون أي مؤهل، منهم 205.000 تنقطع عن الدراسة في السلك الأول من التعليم الأساسي، و168.143 خلال السلك الثاني من الأساسي. ويبقى المنفذ الوحيد المتوافر لهؤلاء المنقطعين هو أسلاك "التخصص" -وبدرجة أقل- "التأهيل" اللذين يعرضهما التكوين المهني. غير أن طاقة الاستقبال في مراكز التكوين المهني لم تفق بالنسبة لهذا المستوى 62.000، مقعدا سنة 1997. وتشكل هذه المسألة مصدرا للقلق لا سيما وأنه لم يتم إيجاد أي بديل للتربية والتكوين لاسترجاع هؤلاء الشباب، الذين لم يبلغوا بعد، في معظمهم، السن الأدنى المطلوب (15 سنة) لولوج عالم الشغل.
ومن جهة أخرى، فمن بين العدد الإجمالي للخريجين، لا تتجاوز نسبة حاملي الشهادات الجامعية % 5,3 ونسبة حاملي شهادات التكوين المهني 9,5 %، أما باقي الخريجين (نسبة 10,2 %) فهم من حاملي شهادات البكالوريا، ويلتحقون بذلك بالنظام التعليمي في مستوى التعليم العالي. وبعبارة أخرى، يتبين من قراءة المعطيات المتعلقة بمغادرة النظام التعليمي أن مجمل منتوج المدرسة المغربية يتكون من شباب لا يتوافر إلا على حظوظ ضئيلة لولوج عالم الشغل لانعدام تأهيلهم، ولا يجد كذلك أمامه إلا فرصا قليلة لإعادة التكوين من خلال دورات تكوينية بديلة.
توزيع الخريجين بحسب الشهادة / التأهيل (1996-1997)
إن تتبع المسار الافتراض لزمرة من 100 تلميذ يأتي تتميما لهذا التحليل الذي يتناول موضوع الهدر المدرسي، حيث يمكن من توافر أرقام عن مردودية النظام التعليمي، ومن تقويم الآثار التي تنطوي عليها هاته الظاهرة. فعلى أساس نسب الانقطاع عن الدراسة والنجاح الخاصة بالسنة الدراسية 1996-1997، من الممكن تتبع المسار الافتراضي لزمرة من التلاميذ. وهذا المسار وإن كان افتراضيا فإنه يعطي تصورا عن الوضعية الحالية للنظام التعليمي حسب الأداء الذي شهده خلال السنة الدراسية 1996-1997 على مستوى المردودية - الفعالية الداخلية. فمن بين 100 تلميذ يلج النظام المدرسي، 65 تلميذا فقط ينهي السلك الأول من التعليم الأساسي، فيما يباشر 36 تلميذا منهم فقط التعليم الثانوي، ولا يحصل على شهادة البكالوريا إلا 13 منهم، ولا يحرز شهادة جامعية إلا 5 منهم. ويلتحق 13 من مجموع التلاميذ المائة، بالتكوين المهني، ويحصل 10 منهم على شهادة.
وبذلك يبدو بلوغ هدف تعميم التعليم الأساسي صعب المنال، إذا استمر أداء النظام التربوي في إعطاء نسب فعالية داخلية هزيلة من هذا القبيل؛
ويتبين، بالتوقف عند كل مرحلة من مراحل التعليم، أن ما يقرب من ثلث التلاميذ المسجلين في السنة الأولى لا ينهون السلك الأول من التعليم الأساسي، وأن نسبة 44 % من التلاميذ الذين يلجون السلك الثاني من التعليم الأساسي ينقطعون عن الدراسة قبل ولوج التعليم الثانوي، وأن نسبة 41% من التلاميذ الذين يبلغون السلك الثانوي ينقطعون عن الدراسة قبل إتمامه؛
وتسجل أعلى نسب للانقطاع عن الدراسة في السنة السابعة (10 تلاميذ ينقطعون عن الدراسة)، والسنة التاسعة (12 تلميذا ينقطع عن الدراسة)، مما يدل فيما يبدو على أن تغيير كل من نظام التعليم في المستوى السابع ونمط التوجيه في المستوى التاسع يشكل مصدرا أساسيا لاضطرابات التمدرس لدى التلاميذ. كما أن التلاميذ المنحدرين من أوساط قروية يواجهون على مستوى السلك الثاني من التعليم الأساسي مشاكل تتعلق بقلة المؤسسات التعليمية وببعدها الجغرافي.
وتزيد خطورة هذا الواقع المعاين إذا ما عممنا هذا التحليل على مستوى الساكنة ككل. فبالنظر إلى نسب ولوج المدرسة يمكن رسم مسار زمرة من 100 طفل بلغ سن التمدرس على الشكل التالي : 77 فقط منهم يلجون المدارس العمومية، فيما ينهي 50 منهم السلك الأول من التعليم الأساسي، ولا يتجاوز مرحلة السنة التاسعة سوى 28 منهم، ولا يحصل على شهادة البكالوريا إلا 10 منهم.
وباعتبار تراكم عوامل الهدر المدرسي، فإن المتوسط الإجمالي لمدة تمدرس طفل ما يسجل لأول مرة في المدرسة، ينحصر في سبع مستويات دراسية. وبعبارة أخرى، يمكن تحديد المستوى المتوسط للانقطاع عن النظام التربوي في مستوى السنة الثامنة من التعليم الأساسي.
يعتبر الانقطاع عن الدراسة في غالب الأحيان، بغض النظر عن الأسباب الراجعة إلى "الظروف المادية والاجتماعية الصعبة" للمستفيد من النظام التربوي، نتيجة لنسق يبتدأ من عملية "توجيه غير صائب" يتفاقم بفعل تدهور المستوى الدراسي بسبب اتباع منهج "الحصص" للانتقال من مرحلة إلى أخرى مما يتولد عنه "صعوبات مدرسية" تفضي بالتدريج إلى فتور النشاط المدرسي، الذي يفضي بدوره في نهاية المطاف إلى الانقطاع عن الدراسة.
"الفتور المدرسي" مصطلح أساسي وشائع حاليا في حديث المستفيدين من النظام التكويني عن المدرسة المغربية. حيث يستشف من آراء مختلف الشرائح المستهدفة أن "الفتور المدرسي" ينتج فيما يبدو عن تقاطع عنصرين اثنين : من جهة أولى، يستشعر التلميذ /الطالب
"صعوبات في تتبع الدروس" راجعة أحيانا إلى "التباين الشاسع" بين نظام التعليم الثانوي ونظام التعليم العالي" أو إلى "البرامج المدرسية المكثفة"، أو إلى "عدم إتقان اللغة الفرنسية"، أو أحيانا راجعة إلى اختيار غير صائب للمسالك أو الشعب المختارة. ومن جهة أخرى، يخضع التلميذ إلى التأثير القوي الذي لا يبعث على التشجيع لمن يصادفهم في محيطه من الأشخاص الذين اختاروا اتباع نفس الشعبة، وانتهى بهم الأمر إلى "مواجهة صعوبات كبرى للاندماج في الحياة المهنية". ومن ثم، يبدو عامل التكرار رافدا أساسيا في المسار الذي يؤدي إلى الانقطاع عن الدراسة، خاصة أنه غالبا ما يعتبره المعني بالأمر إجحافا في حقه.
وتتفاقم ظاهرة الهدر المدرسي في المجال القروي على وجه الخصوص بسبب عدم وفرة المنافذ ما بين مرحلة دراسية وأخرى، بالإضافة إلى البعد الجغرافي للمؤسسات الدراسية.
على الرغم من خطورة ظاهرة الهدر المدرسي وجسامة انعكاساتها، سواء على المستوى الاجتماعي فيما يخص مستقبل المستفيدين من النظام التعليمي، أو على المستوى المادي فيما يتعلق بالأعباء المالية التي تتحملها الدولة، فإن النظام التربوي لم يضع، لا على المستوى المركزي ولا على صعيد المؤسسات المدرسية، نظما وآليات ناجعة تستهدف التلميذ أو الطالب كفرد متميز، وترمي إلى مراقبته وتتبع أدائه وتشجيعه، وذلك ما كان من شأنه أن يحد من الآثار السلبية لتلك الظاهرة. فينبغي في هذا الصدد مراعاة هذا العامل، لا سيما أن الانقطاع عن الدراسة يعد مبادرة شخصية للتلميذ يتخذها في جو من التجاهل من لدن الأبوين والمدرسين والمسؤولين عن المؤسسة المدرسية التي يتردد عليها التلميذ.
من أشغال اللجنة الوطنية للتربية والتكوين