الاستغلال الاقتصادي للطفل ـ مذكرة تقديمية عامة ـ المنسق العام : البروفسور جواد الجاي
سيدي الرئيس، سيداتي وسادتي،
إذا كان الاستغلال الاقتصادي للطفل سلوكا يستوجب الردع والإدانة، فإن تشغيل الطفل يبقى واقعا عائليا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا.
على مدى العقد الأخير، عملت الجماعات والمنظمات غير الحكومية والسلطات العمومية والمجتمع الدولي من أجل الدفع قدما بقضية حقوق الطفل، بشكل عام، وحماية الطفل في الشغل.
من المنظور المطلق، يبدو إنهاء تشغيل الطفل أو القضاء التدريجي عليه هدفا ساميا وفي وقت سابق، لم يكن أحد بطبيعة الحال ليسمح بأسوأ أشكال تشغيل الطفل. يعتبر إعطاء درجة عالية من الأولوية لأشكال الاستغلال الاقتصادي القصوى وعواقبها الجسدية والنفسية الاجتماعية وغير المقبولة قرارا منسجما ومنطقيا. ومع ذلك فيعتريه إكراهان قاهران :
الأول أساسي ويتمثل في إعداد تشخيص استقصائي قبلي لهذه الوضعيات، مع مراعاة خصوصيات التشغيل القانوني وكذا غير القانوني للأطفال، وهو ما يشكل مهمة من الصعوبة بمكان، كما يبقى قصور علوم شغل الطفل كبيرا للغاية فعلا.
يكمن الإكراه الثاني في اعتماد سبع مكونات جوهرية للبرامج المسماة "المشمولة بآجال" ولن أذكر منها إلا مكونا واحدا : هي المتعلقة بسحب وإعادة تكييف الأطفال ضحايا أسوأ أشكال التشغيل.
كيف يمكن على وجه الاستعجال خلخلة النموذج التنظيمي للشغل وإعادة هيكلة البرامج الاجتماعية تبعا لذلك، أو بكل بساطة كيف يمكن بلورة آليات تشريعية وقانونية استعجالية من أجل الوصول بقضية الطفل إلى مستوى عملي، خصوصا إذا علمنا بتأثير المساطر وتعنت العقليات. وفي ما يخص هذه النقطة الأخيرة، فقد منح المرصد الوطني لحقوق الطفل الفرصة لإثارة انتباه البرلمانيين المجتمعين بمراكش في شهر مارس الأخير (الندوة 107 لاتحاد البرلمانات) إليها.
تستوقفنا هنا ثلاثة أسئلة جوهرية :
1) هل يجب اعتماد تشغيل الأطفال أم محاربته؟
2) هل طورنا إنصاتنا للأطفال ومعرفتنا بهم وملاحظتنا لهم في العمل بالشكل الذي يسمح بتحديد استراتيجيات ملموسة لدعم وضعيتهم،
3) هل لدينا ضمانات نستطيع معها القول بأن الحلول البديلة المقترحة، خصوصا في مجال خدمات التربية، تساهم فعليا في حماية وسلامة وتفتح الأطفال وأسرهم وجماعاتهم؟
نتمنى أن تتم موافاتنا ببعض الأجوبة خلال المائدة المستديرة المزمع تنظيمها غدا والتي ستنكب على :
- السياق العام لتشغيل الأطفال.
- - نتائج التجارب الميدانية في ما يتعلق بمحاربة تشغيل الأطفال.
- - الاستراتيجيات التي ستتم الدعوة لتبنيها، مع أخذ دروس التجارب المنجزة من طرف المنظمات غير الحكومية بعين الاعتبار.
- - أخيرا، نستشهد بثلاثة أقوال للسيد بوني، خبير سابق بمكتب العمل الدولي، تستحق أن تؤخذ بعين الاعتبار.
على الرغم من ذلك، فما هو أجدر بالإشارة، وذلك على صعيد قارة بأكملها، ليس الوعي بفشل الحلول المفروضة من الخارج فقط، ولكن أيضا استلهام السلوكات الراسخة في الحكمة والذاكرة الشعبية، فالأمر، والحالة هذه، يتعلق بشرط ضروري لالتزام شعبي حقيقي بالسياسة - باختصار : شرط لتنمية محلية للديمقراطية بالمعنى الشاسع للكلمة، بعيدا عن الصياغات التي تقترحها النماذج الأجنبية.
نحن في موقع يسمح لنا بالتساؤل عما إذا كان تشغيل الأطفال في إفريقيا لا يشكل في جوهره خطوة تسير، رغم عشوائيتها، باتجاه مخرج من العبودية نحو مواطنة نقدية.
....ما ذا يطلب هؤلاء الأطفال؟ إنهم يطلبون الاعتراف بهم كعمال، أي فاعلين في مسيرة المجتمع. بشكل أدق، فهم يطالبون بالاعتراف بحقهم في الشغل وفي تكوين مستمر ومكيف، بالإضافة إلى الحق في المشاركة النشيطة في اتخاذ القرارات المتعلقة بهم.
الجديد في الأمر على الخصوص هو أنهم لم ينتظروا نتائج النقاشات ما بين الخبراء أو السلطات : فهم يعملون ويتحملون مسؤولياتهم. وباختصار : فهم مواطنون ناقدون في مجتمعهم.
لا يمكن أن ننسى ولو للحظة النهب المستمر لثروات إفريقيا والشروط غير المقبولة التي تعد فيها الأسر لمستقبل أبنائها، خصوصا عبر الدفع بهم إلى العمل في سن مبكرة. ومع ذلك ، فقد نظلم الأفارقة عن اعتبرنا هذه الوضعية نهائية. على العكس، فهذه لحظة مواتية من أجل رصد معالم هذه المسيرة الطويلة نحو الديمقراطية، معالم تذكرنا بأنها أيضا قضية كل الإنسانيين.
....أن الدفع بالطفل إلى الشغل لا يعني البحث عن مصدر إضافي للدخل أو عن مساعدة في العمل العائلي فحسب، بل إنه يمثل كذلك رفضا لإدماج الطفل أو جميع أطفال الأسرة بالأحرى، في نظام تربوي لا يوفر ضمانات حول المستقبل، أي تسليحا للطفل بهذه الأدوات المتمثلة في مؤهلات مهنية، بمعنى إعدادهم لمنازلة مصاعب الحياة. باختصار تدريبه على العيش، على أخذ زمام وجوده بيده. أليس هذا واحدا من شروط المواطنة وقاعدة لكل ديمقراطية حقيقية، بغض النظر عن طريقة تقديمها رسميا؟ أليس من الواجب التساؤل عما إذا كان الأفارقة لا يدعوننا لإعادة النظر، وبطرقة إيجابية، في وضع الطفل العامل في عالم اليوم؟ وخلاصة القول، ألا ندع أبدا مشكلة تشغيل الأطفال تخدرنا ونوجه نظرنا إلى الأطفال العمال ونصغي إليهم.
المصدر: المرصد الوطني لحقوق الطفل ـ الرباط