الجودة في المدرسة العمومية

وجهة نظر: العزوف عن التعليم العمومي بالسلك الابتدائي جودة أكثر بكلفة أقل...
محمد أبو المهدي جريدة الاتحاد الاشتراكي 22 مايو 2008
المتتبع للشأن التعليمي ببلادنا سيلاحظ لا محالة نزوع الأسر المغربية نحو القطاع الخاص لتعليم أبنائها بحثا عن جودة بدأت تفتقد بالمدرسة العمومية، رغم كلفة التدريس بالمؤسسات الخاصة، حيث يتبين أن هذا الخيار له أثاره الإيجابية على مستوى التحصيل الدراسي بالنسبة للأبناء في زمن أصبح فيه التنافس محموما من أجل الظفر بمعدلات جيدة لفتح المسالك أمام الآفاق المهنية الواعدة. والمثير في هذا النزوح المتنامي نحو المؤسسات الخاصة هو كون العاملين بالمدارس الخصوصية أغلبهن نساء يشهد لهن بمردودية جيدة يعكسها مستوى التلاميذ وارتياح الأسر لنتائجهم. هذا في ظل أوضاع مهنية جد صعبة بالنسبة للعاملات بالمؤسسات الخاصة اللواتي لا يصل راتبهن إلى مستوى الحد الأدنى للأجر. وبالرغم من هذه الوضعية الصعبة، فإن مستوى العطاء والمردودية مشهود بهما في أغلب المؤسسات الخاصة، الأمر الذي يطرح مفارقة غريبة! ففي الوقت الذي يستفيد العاملون بالقطاع العمومي من شروط أفضل على المستوى المادي والمعنوي بتفاوت طبعا، فإن أغلب الأسر غير راضية عن مستوى التحصيل الدراسي لأبنائها مع الـتأكيد على أن المدرسة العمومية لازالت تحتوي على خيرة الأطر التربوية والتي تستمر في عطائها بكل جدية ومسؤولية. بالمقابل، تفشت العديد من المظاهر السلبية التي تسربت إلى السلك الابتدائي العمومي إسوة بباقي الأسلاك ومنها ابتزاز التلاميذ بأداء رسوم شهرية مقابل ساعات إضافية تثقل كاهل الأسر دون أن يكون لها الأثر الإيجابي على مستوى النتائج المرجوة، يقع هذا في ظل «استقالة» أغلب أطر هيئة المراقبة التربوية من مهام التأطير والمتابعة والتكوين، حيث تراجعت البرامج التكوينية التي تنظم عادة كل سنة دراسية من أجل تأهيل الموارد البشرية المكلفة بمهام التدريس. إذ في الوقت الذي اعتمدت فيه الوزارة على تغيير المناهج والبرامج الدراسية مع ما يستلزم ذلك من تجديد للمعارف لمتابعة المستجدات التربوية، نجد - للأسف - هيئة المراقبة التربوية خارج نطاق الدينامية التربوية التي تستدعي إعادة تكوين الأساتذة وصقل وإغناء رصيدهم المعرفي على مستوى الديداكتيكي والبيداغوجي؛ وذلك رغبة في الارتقاء بالأداء التربوي بالمدرسة العمومية نحو الأحسن. بالمقابل، نجد أن أغلب المؤسسات الخاصة تتعاقد مع العديد من الأطر من هيئة المراقبة التربوية من أجل تكوين العاملين الأساتذة وتتبع وتقويم المنتوج التربوي الموجه للتلاميذ، بل هناك من تفرغوا كليا لهذا العمل الذي يجنون منه عائدات مالية مهمة تنضاف إلى أجرهم الشهري المحترم المرصود من ميزانية الدولة، وتعتبر هذه الظواهر المتفشية في نظامنا التربوي من الاختلالات التي يعرفها نظامنا التعليمي. وقد أبرز النظام الجديد للترقي عن كساد كبير في المراقبة والتأطير التربويين؛ ذلك أن العديد من الأساتذة لم يزرهم المفتش منذ أزيد من ست سنوات، وهو ما يطرح - وبحدة - جانبا من الجوانب المعتمة لمختلف المعيقات والأعطاب التي تشكو منها المدرسة العمومية. مما يستلزم المكاشفة الصريحة من طرف مختلف الفاعلين في الحقل التربوي، ذلك أن أزمة التعليم المتعددة الأبعاد والتي كشفت عنها مختلف التقارير الدولية والوطنية وإن كانت، في جزء كبير منها، رهينة بالموارد المالية الضرورية للارتقاء بالمنظومة التربوية، فإن جزءا آخر يتعلق، بالأساس، بالشعور الجماعي بالحاجة إلى صحوة الضمير المهني وإلى بناء مغرب آخر، مغرب العلم والمعرفة لتأهيل بلادنا لمواجهة التنافسية المتنامية على الصعيد الاقتصادي والتكنولوجي. لقد كسبت العديد من الأمم رهان التنمية بالارتكاز على العلم وعلى تطوير المنظومة التربوية وهو الشعور الذي يخالج عموم الأسر المغربية ويحتاج، اليوم، إلى أن يتحول إلى مسؤولية جماعية تتقاسمها الدولة مع المجتمع وتتفاعل معها إيجابا الأسرة والمدرسة ومختلف الشركاء الذين لهم علاقة مباشرة مع منظومتنا التربوية.
لقد أهدر المغرب فرصا كثيرة وفرط زمنيا في العديد من المحطات، لكن الإيقاع المتسارع الذي يعرفه العالم لن يشفع غدا لنا جميعا مما يستدعي تعبئة مختلف الفاعلين لتأهيل المدرسة المغربية وجعلها بوابة للتأهيل الشامل الذي نتمناه لبلدنا.