ثلاث محاور لتسليع التعليم بالمغرب من خلال الميثاق الوطني للتربية و التكوين(*)
خليل صدقي
وضعت لوسيل LUCILE الإطار العام الذي يحدد "الإصلاحات" المرتقبة في مجال الخدمات الاجتماعية والعمومية، ومن ضمنها التعليم الذي يعتبر من منظور المنظمة العالمية للتجارة، وتحديدا الاتفاقية العامة للتجارة في الخدمات(AGCS) "سلعة برسم الاستهلاك العمومي والخاص". ومن يتحدث عن سلعة، يتحدث بالضرورة عن البيع والشراء، عن مزود وزبون وبالتالي عن سوق. ووضح ج.ب. كيركوف JP KERKHOFS الخطوط العامة لتبضيع التعليم وهي ثلاثة :
تكوين وإعداد عمال المستقبل.
إعداد مستهلكين محتملين.
تحويل المدرسة نفسها إلى سوق.
لنرى الآن كيف يتمظهر المنظور النيوليبرالي للتعليم في المغرب من خلال "الميثاق الوطني للتربية والتكوين".
عمال المستقبل
يحدد الميثاق وظيفة التعليم، في" منح الأفراد فرصة اكتساب القيم والمعارف والمهارات التي تؤهلهم للاندماج في الحياة العملية"...) "تزويد المجتمع بالكفايات من المؤهلين والعاملين الصالحين للإسهام....." المادة 7 من "الميثاق الوطني للتربية والتكوين"
يؤكد الميثاق على ضرورة ملائمة النظام التربوي والمحيط الاقتصادي وذلك من خلال :
ما يسميه بشبكات التربية والتكوين أي" ربط كل إعدادية وثانوية ومؤسسة جامعية بمركز للتكوين أو التأهيل المهني أو معاهد التكنولوجيا التطبيقية أو المدارس العليا للتكوين المهني والتقني وذلك لتكوين عمال متخصصين مؤهلين، تكوين تقنيين وتقنيين متخصصين ثم بعد ذلك أطر متوسطة وعليا".(أنظر المواد 43 إلى 47).
التمرس والتكوين بالتناوب، ويقضي بأن يتحول التلاميذ في نهاية الإعدادي إلى متمرسين يتم تكوينهم بنسبة 2/3 وأكثر داخل المقاولة و1/3 فقط أو أقل داخل المدرسة، أو تكوينهم بكيفية متوازنة 50./. داخل المقاولة و50./. داخل المدرسة بالنسبة للتكوين بالتناوب . وسيخضع التمرس المهني والتكوين بالتناوب إلى مقتضيات تشريعية خاصة فضلا عن قانون الشغل: بمعنى سيخضع أطفالنا في نهاية الإعدادي إلى قانون (مدونة) الشغل بما في ذلك الارتكاز على علاقة تعاقد بين المشغل والمتعلم أو ولي أمره الشرعي (المادة 49). سنكون إذن أمام أشكال من تشغيل الأطفال (القاصرين) غير معلن عنه.
التكوين المستمر الذي يعد "عاملا أساسيا لتلبية حاجات المقاولات من الكفايات....وضمان تنافسية النسيج الإنتاجي....وبالتالي تسيير المحافظة على مناصب الشغل"(انظر المادة 52).
ويهم التكوين المستمر" كل العمال والمأجورين سواء في المقاولات العمومية أو الخاصة وكذا موظفو الإدارات والجماعات المحلية، والمجموعات التي تعاني من التهميش أو النقص في التأهيل".(المادة 53) إنه يهم كل المجموعات" سواء تلك التي هي قيد التوظيف أو تلك المهددة بفقد وظائفها".
يتعين إذن أن يكون العمال مطواعين قابلين لإعادة التكوين Recyclage تماما كما يعاد تكوين النفايات.
كما يتعين أن "يتمفصل" نظام التكوين المستمر بناء على منطق السوق الذي يعد وحده القمين بمراقبة حاجات المقاولة من الكفايات" (المادة 56).
نفهم إذن لماذا يحدد الميثاق إلزامية أو إجبارية التعليم إلى حدود نهاية الإعدادي فقط، إنه يرمي بالدرجة الأولى إلى تكوين يد عاملة متخصصة ومؤهلة ورخيصة.
مستهلكون محتملون
يتعين على المرء أن يكون على درجة غير يسيرة من قصر النظر حتى يرى بأن الدولة لا تعلم المواطنين لإدراك وفهم العالم من أجل تغييره نحو حياة أفضل، إنها لا تعلمهم حبا في سواد عيونهم، بل لأن استهلاك أغلب المنتجات اليوم يتطلب حدا أدنى من المعرفة بالقراءة والكتابة (ونفهم هنا الزاوية التي ينظر منها الميثاق النيوليبرالي لمحو الأمية) بدءا من قراءة علامة تجارية، إلى تاريخ انتهاء صلاحية علبة سردين أو مربى إلى شراء واستعمال هاتف نقال.....
الغاية الثانية إذن من نظامنا التعليمي بالإضافة إلى تكوين عمال المستقبل هي إعداد المواطنين للاستهلاك.
تحويل المدرسة إلى سوق
لتتحول المدرسة إلى سوق، لابد من تدمير التعليم كخدمة عمومية بحيث تتخلى الدولة عن التزاماتها، وتفكك القوانين المنظمة، لتشجع خوصصة التعليم، وبالتالي ليتحول التعليم إلى سلعة.
يتم ذلك أولا بتقليص نفقات الدولة في مجال التعليم بدءا من التخلي عن التجهيز الذي يرمى على عاتق الجماعات المحلية، الجامعات المستقلة ذاتيا، القطاع الخاص، المقاولات، الجمعيات، مرورا بالتخلي عن تحسين أوضاع المدرسين فلن يصبح لهم من حق على الدولة إلا حق الاستفادة من تكوين أساسي متين أو فرص التكوين المستمر وصولا إلى التخلي عن مجانية التعليم وأخيرا تشجيع القطاع الخاص وذلك بالإعفاء من الضرائب جزئيا أو كليا لمدة قد تصل إلى 20 سنة، لا بل إعطاء منح مالية لبعض المؤسسات الخاصة !!؟ (في الوقت الذي تتراجع فيه عن منح للطلبة!؟؟؟. (انظر على الخصوص المادة 13 فقرة هـ 15-17-169إلى 177)
لن يصبح من مسؤولية الدولة توفير مدارس (وليس حتى مدارس بل مجرد أماكن ومحلات !!؟؟؟) صالحة وملائمة للتدريس.( أنظر مثلا المادة 29 الفقرة" أ" و الفقرة "ب")
لن يبقى من مسؤولية الدولة ضمان استقرار المدرسين وتحسين ظروف عملهم، الالتجاء إلى نظام العقدة (المادة 135) لتحويل المدرسين إلى متعاقدين يسهل طردهم متى أراد المشغل.
ثم استبدال معيار الأقدمية أو الشهادة في الترقي بمعيار المرد ودية (المادة 137) لن يصبح من حق المواطنين ولوج التعليم الثانوي ولا العالي إلى بعد الأداء، من الآن فصاعدا عليك أن تؤدي مصاريف الدراسة في الثانوي والعالي، ولن تكتفي الدولة بالإجهاز فقط على المنح الهزيلة أصلا في العالي.
سنكون إذن أمام استبعاد الفقراء من الاستمرار في التعليم، ولن يكونوا صالحين الا كعمال مؤهلين ومتخصصين (ولكم أن تفكروا في مصير 8 ملايين مغربي يعيشون تحت عتبة الفقر، أي يصرفون أقل من دولار واحد في اليوم (أقل من 10 دراهم يوميا!! ) مرحى للفقراء سنحشرهم في "أماكن"، "محلات" (وليس أقسام) سيؤدون واجب التعليم، وسيحرمون من منحهم في التعليم العالي، وسنعطي المنح للمستثمرين (الأغنياء الجدد) في مجال التعليم.
ما العمل؟
ليست تلك إلا بعضا من خطوط الكارثة المحدقة بنا، لكنها ليست قدرا إلا بقدر ما نظنها كذلك، لابد من المقاومة.
ـ الوعي بضرورة المقاومة وبآن تعليما مجانيا وجيدا ممكن خارج إطار الميثاق
ـ الوعي بأن المقاومة لا يمكن أن تكون ناجحة إلا بالدفاع عن خدمات عمومية واجتماعية وبالنضال ضد ما يسمى ب "الاتفاقية العامة للتجارة في الخدمات" وهو نضال يمكن أن يوحد العديد من القطاعات.
ـ الوعي بأن هذا النضال يجب أن يعانق نضال البلدان الأخرى أي الوعي بضرورة عولمة نضالاتنا وانخراطها ضمن مقاومة أوسع، مقاومة تؤمن بأن عالما آخر ممكن. وشكرا.
(*) نص مداخلة ألقيت بورشة "مدرسة للجميع" بالمنتدى الاجتماعي المغربي بوزنيقة دجنبر2002