كتب محمود كمال وخولة حامد: جريدة القبس 21جوان 2008
الدروس الخصوصية مشكلة ازلية وقديمة وجديدة في آن.. فمنذ عقود والجهات المختصة تضعها على طاولة النقاش ويعتبرها الباحثون أحد المؤشرات المهمة على ضعف الواقع التعليمي، لكن الجديد في هذه القضية ان الدروس اتخذت أشكالاً وألواناً متعددة، وتحولت إلى ما يشبه «البورصة»، ان صح التعبير.
«القبس» حين قررت فتح الملف الازلي، كان لا بد من الغوص في كواليس ما يحدث من أمور حولت الدروس الخصوصية من مجرد مشكلة إلى ظاهرة غريبة تتخذ اشكالاً وألواناً، لم تكن معهودة من قبل، ومن ذلك ان بعض الطلاب يتعاطون الدروس في جميع المواد، ومنذ أول يوم في الدراسة، بل ان البعض يحجز في مجموعات منذ إجازة الصيف.
الأمر الآخر المدهش ان بعض المدرسين استغلوا امتحانات الثانوية العامة ورفعوا تسعيرة الدروس إلى أرقام فلكية، لاسيما مدرسي المواد العلمية كالرياضيات والكيمياء، اضافة إلى اللغة الانكليزية، حتى أصبحت الدروس تلتهم ميزانية العوائل.
اولياء الامور الذين رصدت آراءهم «القبس» اعترفوا بأن الدروس الخصوصية شر لا بد منه، فهم مضطرون اليها لعدة اسباب، منها ضعف مستوى بعض المعلمين وعدم الرقابة عليهم، اضافة الى ضيق وقت الحصة المدرسية كما ان الروتين اليومي يجعل ابناءهم عاجزين عن التحصيل المطلوب في المنهج، وفي مقابل ذلك يؤدي المدرس الخصوصي الحصة بضمير ليكسب المزيد من الزبائن.
ثمة ظاهرة اخرى لافتة للنظر ازاء التعرض لهذه القضية، وهي انه رغم تحذيرات وزارة التربية للمعلمين من اعطاء الدروس الا ان الاجراءات الرادعة لا تزال ضعيفة حتى بدأت تنتشر بصورة لافتة، وليس ادل على ذلك من اعلانات الدروس في الصحف والمجلات الاعلانية، ولو كانت العقوبات رادعة لما اقدم احد من المدرسين على نشرها.
المعلمون ايضا برروا اعطاءهم للدروس الخصوصية الى ضعف رواتبهم وغلاء الاسعار، مؤكدين ان ظروفهم صعبة، وليس من حل سوى اعطاء الدروس الخصوصية وقالوا: الطبيب مثل المعلم يفتح عيادة خاصة ويعمل في مستشفى حكومي من اجل تحسين وضعه المادي.
مرة اخرى، تؤكد الوقائع ان القضية شائكة وكان لابد من وضع ظاهرة الدروس الخصوصية مجددا تحت المجهر والى التفاصيل.
في البداية قال الطالب احمد جاسم «القسم العلمي» ان الدروس الخصوصية تعتبر ضرورة ملحة لاسيما في الفترة السابقة للامتحانات والتي تحتاج الى تركيز كبير وحل اكبر عدد ممكن من الاختبارات المشابهة والسابقة، مشيرا الى ان ذلك لا يحدث في المدارس فبالتالي يضطر الطالب الى الاستعانة بالمدرسين الخصوصيين للتدريب على تلك الاختبارات.
استيعاب المقررات
من جهته، ارجع الطالب خالد أبو وردة استعانة الطلاب بالمدرسين الخصوصيين الى ضعف مستوى مدرسي المواد في المدارس وعدم قدرتهم على استيعاب المقررات في الحصص المدرسية، مشيرا الى ان المدرسين الخصوصين يركزون مع الطلاب في الدروس وبإمكانه اعادة اي قطعة غير مفهومة للطلاب اذ انه يتقاضى اجرا على ذلك، ويحرص على افادة الطلاب.
متابعة يومية
أما الطالب بدر محمد فأكد ان المواد العلمية كالفيزياء والكيمياء والرياضيات من اكثر المواد التي تحتاج الى تركيز ومتابعة يومية، لذلك يلجأ معظم طلاب القسم العلمي الى الدروس الخصوصية في هذه المواد حتى يتمكنوا من تحصيلها بشكل شامل، متطرقا الى موضوع اخر وهو صعوبة امتحان مادة الكيمياء التي وصفها بانها كانت «تعجيزية»، وبها اجزاء كثيرة من خارج المنهج.
في السياق نفسه قال الطالب كامل المنصوري «القسم العلمي» ان الدروس الخصوصية أصبحت من الأساسيات في دراسة الثانوية العامة، لافتاً إلى أن معظم زملائه يستعينون بالدروس التي أثبتت أنها تزيد من مستوى الطالب في ظل عدم تحصيلهم الجيد للمواد في المدارس، وأيضاً عدم قدرة بعض المدرسين على توصيل المعلومات لكل طالب على حدة.
من جهته، أشار الطالب محمد عبدالرحمن إلى أن المدرسين الخصوصيين يستغلون أوقات الامتحانات ويقومون برفع أسعار الحصص بشكل جنوني، لاسيما مع اقتراب أوقات الامتحانات الأمر الذي يكبد أولياء الأمور ميزانيات خاصة للدروس الخصوصية.
تحصيل حاصل
وعبّر بعض الطلبة والطالبات عن استيائهم من اهمال المدرسين في الشرح داخل الحصة المدرسية وعدم توضيح المعلومات بأسلوب جيد، بالاضافة الى السرعة في الشرح محاولين بذلك شرح المنهج في اقصى سرعة وبأقصر مدة ممكنة «ليفتكوا منا ومن التدريس»، حسب قولهم في تلميح الى ان بعض المعلمين تستهلك الدورس الخصوصية طاقتهم، ويكون العمل داخل المدرسة مجرد روتين وتحصيل حاصل.
وقالت الطالبة عبير الماجد ان عدم اخلاص بعض المعلمين في الفصول يجعلنا في حاجة ماسة للاستعانة بأساتذة خصوصيين من اجل فهم المواضيع بشكل جيد والالمام بالمنهج كله والتمكن منه، وأضافت نحن نأخذ دروسا خصوصية طوال السنة، وليس فقط في فترة الامتحانات لأننا لا نستطيع ابدا الاعتماد على مدرسينا في المدرسة.
وأشارت الى ان الدروس الخصوصية اصبحت ضرورية جدا، فمن دونها السقوط سيكون اكيدا، فالدورس ربما تكون الطريقة الوحيدة لكل من اراد ان يضمن النجاح، حتى لو على الحافة.
ومن جانبها، وصفت لمياء علي امتحانات الثانوية العامة عموما بأنها صعبة جدا وغير مباشرة، وقالت: لقد سمعنا من المسؤولين والمدرسين ان اسئلة امتحان الثانوية العامة هذا العام ستكون معقولة ومباشرة ما دعانا ذلك الى الاطمئنان والارتياح نفسيا نوعا ما، لكن «وين كل هالكلام؟»، فقد تفاجأنا بمستوى الامتحانات وصعوبتها، حيث كانت معظم الاسئلة غير مباشرة وغير متوقعة ابدا على عكس ما صرح به المسؤولون.
وكان لا بد من استطلاع رأي المعلمين الذينبدورهم استجابوا لنا، لكنهم رفضوا نشر اسمائهم خوفا من المساءلة، مؤكدين انهم يلجأون الى الدروس الخصوصية سعيا الى تحسين وضعهم المادي، لا سيما مع الغلاء الذي نعيشه في الوقت الحالي، بالاضافة الى تدني مستوى الرواتب بالمقارنة ببعض المهن الاخرى.
واكدوا انهم يعملون وفق ما تمليه عليهم ضمائرهم ولا يقصرون اثناء الدوام الدراسي ولكن الطلبة هم من يسعون اليهم، مشيرين الى انهم ليسوا تجارا، ولكن المدرس الكفؤ هو من يسعى اليه الطلاب رغبة في التفوق والحصول على الدرجات العالية.